الشجاعة
لقد أقام الله سبحانه وتعالى دين الإسلام بالحجة والبرهان وبالسيف والسنان فهما في نصره أخوان شقيقان ، ولا ينصر الدين إلا بهما في كل زمان ومكان وكلاهما(الكتاب والسيف) شجيع لا يتم إلا بشجاعة القلب وثبات الجنان ، وهذه المنزلة الشريفة كما يقول الإمام ابن القيم : [محرمة على كل مهين جبان كما جرمت عليه المسرة والأفراح واخضر قلبه الهموم والغموم ولا مخاوف والأحزان ، فهو يحسب كل صيحة عليه وكل مصيبة قاصدة إليه فقلبه بالحزن مغمور بهذا الطن والحسبان] ، من مقدمة الفروسية ، والشجاعة من أخلاق الإسلام وقد جعلها الله حليه أهل الإيمان ، فأوجب تعالى محبة الجواد الشجاع ومقت البخيل الجبان
ولما كان للشجاعة والفروسية أثر عظيم في نصرة الدين وإحقاق الحق ومجابهة الباطل ، جعلها الله تعالى صفة ملازمة لأصفيائه من خلقه في تبليغ دعوته وعدم الخشية من سواه
{الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا} ، وكذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم أشجع الناس
حد الشجاعة ..وصورها
وللشجاعة حد تعرف به إذ لو زادت عن حدها صارت تهورا ، ولو قلت عنه صارت خورا وجبنا ، ولهذا عرف العلماء الشجاعة بأنها : الإقدام في موضع الإقدام ، والإحجام في موضع الإحجام ، والثبات في موضع الثبات والزوال في موضع الزوال ، وما سوى ذلك إما جبن أو تهور ، وليست الشجاعة مرادفة للقوة بل هما متغايران
ومن صور الشجاعة والثبات عند الجيل النبوي الأول ، وصية أبي بكر الصديق لقائد جنده سيف الله خالد بن الوليد : يا خالد احرص على الموت توهب لك الحياة ، ولما أدرك المنية خالدا على فراشه قال: [والله لقد حضرت وقاتلت في أكثر من مائة معركة في الجاهلية والإسلام ، وما في جسدي موضع شبر إلا وبه طعنة برمح ، أو ضربة بسيف ، أو رمية بسهم ، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء] قال حسان بن ثابت يصف شجاعة وإقدام ذلك الجيل
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما
وقد تكون الشجاعة والثبات في الصبر على الأذى أو مقاومة المنكر ، أو في كلمة الحق عند سلطان جائر ، كما كان ثبات إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في فتنة خلق القرآن ، وما من الأئمة والصالحين إلا أوذي وامتحن وكانت شجاعتهم وثباتهم نبراسا للأمة وصورا مشرقة للحق
كيف تكتسب الشجاعه
علم أخي الحبيب ..أن الإسلام دين ودولة، وعبادة وقيادة ، ومصحف وسيف ، واعلم أن الدين بغير قوة نظرية محضة ، والدين بغير قوة مجرد فكرة مضيئة قلما يعطيها الناس اهتماما كالحصن من غير جنود يكون عرضة للنهب والسلب والاحتلال
ولاكتساب الشجاعة عدة وسائل منها
أولا : ترسيخ عقيدة القضاء والقد ،وإدراك أن الإنسان لا يصيبه إلا ما كبت الله له ، [وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن الأمة لو اجتمع على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف] ، فأوقن بهذا واقبض عليه بكلتي يديك
ثانيا : الاقتناع بأن معظم مثيرات الجبن والخوف لا تعدو كونها أوهاما لا حقيقة لها ، فمن عرف حقيقة الخلق لم يخش إلا الله ، وما تخافه من دون الله إ،ما هم أولياء الشيطان كما قال تعالى :
{إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين]
ثالثا : الإنفاق حيث يحميك من صفة البخل والخوف على الرزق ، ويكسبك صفة الجود والكرم التي غالبا ما تلازم الشجاعة وتعين عليها وهي سبب من أسبابها كما قال الشاعر
الجود بالمال جود فيه مكرمة والجود بالنفس أقصى غاية الجود
رابعا : الإعداد والتدريب العملي : كأنواع القتال والسلاح والرماية والسبق والرياضة والسباحة ، وغيرها وهي جزء أصيل من منهج الإسلام في إعداد الرجال وإخراج الوهن والخوف من قلوبهم ، قال الشاعر
الرمي أفضل ما أوصى الرسول له وأشجع الناس من بالرمي يفتخر
خامسا : القدوة الحسنة والتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم في شجاعته وقد بعث قدوة للناس في كل شيء وكان أسرعهم إلى مكامن الخطر وصوت المنذر ، وكان الصحابة يحتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حمي الوطيس والتقى الشجعان
سادسا : إثارة دوافع التنافس والبذل والتضحية والشجاعة ومكافأة الأشجع كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول للغزاة : [من قتل قتيلا فله سلبه] وقال في غزوة الأحزاب
: [من يأتيني بخبر القوم وله الجنة]
سابعا : قيام الليل وصف الأقدام بين يدي الكبير المتعال في جوف الليل البهيم فإن شجرة الشجاعة تسقى بدموع السحر ، وإذا طال التهجد أينعت ثمرته جهادا وبطولة ، قال ابن القيم –
رحمه الله. في الليل رهبان وعند جهادهم لعدوهم من أشجع الشجعان
ثامنا . طاعة الله عز وجل والاكثار من النوافل تروث العبد مخافة الله
ومن تمكنت مخافة الله من قلبه لم يبقى في قلبه خوف احد سواه
و الابتعاد عن المعاصي والذنوب فانها تسبب الذل والجبن والخور وتسلب منه الشجاعه الايمانيه
واخيرا وهو الاهم الاستعانه بالله والاكثار من قول (اللهم اني اعوذ بك من الجبن والبخل )
هذه أخي بعض أسباب الشجاعة المكتسبة ذكرتها ، ونحن أحوج ما نكون إلى البطولة والعزة بعد أن بلغت أمتنا دركا لم تبلغه من قبل ، فكن أخي شجاعا مغوارا ..واطرد الوهن من قلبك ..وإياك والحرص على الدنيا فإنها سبب الجبن والهلع